فصل في دفن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله
روى سليم (بن قيس الهلالي الكوفي) عن سلمان (رضي الله عنه)
انه قال: اتيت علياً (عليه السلام) وهو يغسل رسول الله
(صلى الله عليه وآله وسلم) وقد كان أوصى ان لا يغسله غير عليٍّ
(عليه السلام) وأخبر عنه انه لا يريد ان يقلب منه عضوا الا قلب له
وقد قال امير المؤمنين (عليه السلام)
لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم):
من يعينني على غسلك يا رسول الله قال جبرائيل فلما غسله
وكفنه أدخلني وأدخل أبا ذر والمقداد وفاطمة وحسناً وحسيناً
(عليهم السلام) فتقدم وصففنا خلفه وصلى عليه والمرأة في الحجرة
لا تعلم، قد اخذ جبرائيل ببصرها،
قال المفيد: فلما فرغ من غسله وتجهيزه تقدم فصلى عليه
وحده لم يشركه معه احد في الصلاة عليه
وكان المسلمون في المسجد يخوضون فيمن يؤمهم في الصلاة عليه
واين يدفن فخرج اليهم امير المؤمنين (عليه السلام)
وقال لهم: ان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)
امامنا حياً وميتاً فيدخل عليه فوج بعد فوج منكم
فيصلون عليه بغير امام وينصرفون، وان الله لم يقبض نبياً في مكان
الا وقد ارتضاه لرمسه فيه وانّي لدافنه في حجرته
التي قبض فيها فسلم القوم لذلك ورضوا به.
روى الكليني عن أبي مريم الانصاري قال:
قلت لأبي جعفر (عليه السلام): كيف كانت الصلاة على النبي
(صلى الله عليه وآله وسلم) قال: لما غسله امير المؤمنين
(عليه السلام) وكفنه سجاه، ثم ادخل عليه عشرة فداروا حوله،
ثم وقف امير المؤمنين (عليه السلام) في وسطهم فقال:
ان الله وملائكته يصلون على النبي، يا ايها الذين آمنوا
صلوا عليه وسلموا تسليماً، فيقول القوم كما يقول
(عليه السلام) حتى صلى عليه أهل المدينة والعوالي.
وروى ابو جعفر (عليه السلام): انهم صلوا عليه يوم الاثنين
وليلة الثلاثاء حتى الصباح ويوم الثلاثاء حتى صلى عليه الاقرباء
والخواص ولم يحضر أهل السقيفة وكان عليّ (عليه السلام)
انفذ اليهم بريدة وانما تمت بيعتهم بعد دفنه ( صلى الله عليه وآله وسلم).
وروي عن القسم الصقيل أنه كتب إلى الناحية المقدسة
جعلت فداك هل اغتسل امير المؤمنين حين غسل رسول الله
(صلي الله عليه وآله وسلم) عند موته؟
فاجابه: النبي صلى اللّه عليه وآله طاهر مطهر
ولكن امير المؤمنين (عليه السلام) فعل وجرت به السند.
قال المفيد: ولما صلى المسلمون عليه (صلى الله عليه وآله وسلم)
انفذ العباس بن عبد المطلب برجل الى ابي عبيدة بن الجراح
وكان يحفر لأهل مكة ويصرح وكان ذلك عادة اهل مكة
وانفذ الى زيد به سهل وكان يحفر لأهل المدينة
ويلحد فاستدعاهما وقال اللهم خر لنبيك فوجد ابو طلحة زيد
بن سهل وقيل له: احفر لرسول الله فحضر له لحداً
ودخل امير المؤمنين والعباس بن عبد المطلب والفضل بن العباس
واسامة بن زيد ليتولوا دفن رسول الله
(صلى الله عليه وآله وسلم) فنادت الانصار من وراء البيت
يا علي انا نذكرك الله وحقنا اليوم من رسول الله
(صلى الله عليه وآله وسلم) ان يذهب، ادخل منا رجلاً
يكون لنا به حظ من مواراة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم):
فقال: ليدخل اوس بن خولي وكان بدرياً فاضلاً
من بني عوف من الخزرج فلما دخل قال له
علي (عليه السلام): انزل القبر فنزل ووضع امير المؤمنين
رسول الله(صلى الله عليهما وآلهما) على يديه ودلاه في حفرته
فلما حصل في الأرض قال له اخرج فخرج ونزل
علي القبر فكشف عن وجه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)
ووضع خده على الأرض موجهاً الى القبلة على يمينه
ثم وضع عليه اللبن واهال عليه التراب (انتهى).
وروي انه ربَّع قبره.
وعن ابي عبد الله (عليه السلام) قال
القى شقران مولى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)
في قبره القطيفة وقال: جعل عليّ (عليه السلام)
على قبر النبي (صلى اللّه عليه وآله وسلم) لبناً وقال:
قبر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)
محصب حصباء حمراء.
وروى الحميري:
ان قبر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)
رفع من الأرض قدر شبر وأربع اصابع ورش
عليه الماء قال علي (عليه السلام): وا
لسنة ان يرش على القبر ماء.
ورُوي عن بصائر الدرجات عن ابي عبد الله (عليه السلام) انه
لما قبض رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) هبط جبرائيل (عليه السلام)
ومعه الملائكة والروح الذين كانوا يهبطون في ليلة القدر،
قال: ففتح لأمير المؤمنين بصره فرآهم في منتهى السماوات الى الأرض
يغسلون النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) معه ويصلون معه عليه
ويحفرون له والله ما حفر له غيرهم،
حتى اذا وضع في قبره نزلوا مع من نزل فوضعوه، فتكلم
وفتح لأمير المؤمنين (عليه السلام) سمعه، فسمعه (صلى الله عليه وآله وسلم)
يوصيهم به، فبكى، وسمعهم يقولون: لا نألوه جهداً وإنما هو صاحبنا
بعدك الا أنه ليس يعايننا ببصره بعد مرتنا هذه.
قال في نهج البلاغة من خطبة له (عليه السلام)
: و لقد علم المستحفظون من اصحاب محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)
إنِّي لم ارد على الله سبحانه ولا على رسوله ساعة قط، ولقد واسيته
في المواطن التي تنكص فيها الابطال وتتأخر الاقدام نجدة أكرمني الله
ولقد قبض رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)
وان رأسه لعلى صدري
، وقد سالت نفسه في كفّي فأمررتها على وجهي ولقد وُلِّيت غسله والملائكة
أعواني فضجت الدار والافنية ملأ يهبط وملأ يعرج وما فارقت سمعي هينمة
(اي الكلام الخفي) منهم يصلّون عليه حتى واريناه في ضريحه
فمن ذا احق به منّي حياً وميتاً.
قد يقال ان المراد بسيلان النفس هبوب النفس
عند انقطاع الانفاس وقيل اراد بنفسه دمه
(صلى الله عليه وآله وسلم) يقال ان رسول الله
(صلى الله عليه وآله وسلم) قاء عند وفاته دما يسيراً
وأن علياً عليه السلام) مسح بذلك وجهه والله العالم.
قال المفيد: لم يحضر دفن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)
اكثر الناس لما جرى بين المهاجرين والانصار
من التشاجر في أمر الخلافة وفات اكثرهم الصلاة عليه
لذلك، وأصبحت فاطمة (عليها السلام) تنادي،
واسوء صباحاه فسمعها ابو بكر فقال لها
: ان صباحك لصباح سوء.
وروى ابن عبد ربه في العقد الفريد
عن انس بن مالك قال: لما فرغنا من دفن رسول الله
(صلى الله عليه وآله وسلم) اقبلت علي فاطمة فقالت:
يا انس كيف طابت انفسكم ان تحثوا على وجه
رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) التراب،
ثم بكت ونادت يا ابتاه اجاب رباً دعاه يا أبتاه، من ربه ما ادناه.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نقلا عن كتاب الانوار البهية
في تواريخ الحجج الالهية للشيخ عباس القمي (قدس سر)
تم النقل