ولكن ـ ومع الأسف ـ انتفى هذا الأمر النبوي من مساجد السنّة لسنين طويلة ولا يزال ،
والحال أنّه في ما مضى بسبب انعدام الإمكانيّات الماديّة ،
كان المسلمون يسجدون على الحصير أو الأرض ، ولكن مع توفّر الإمكانيّات المادّية
تمّ فرش المساجد بأنواع الزرابي الفاخرة ، ذهبت سنّة النبيّ
( صلى الله عليه وآله وسلم ) أدراج الرِّياح .
أمّا الشيعة فإنّهم يعتقدون بوجوب السجود على الأرض أو على شيء ينبت منها ،
ولهم أدلّتهم على ذلك
، وقد تمّ شرحها في كتاب « الإنصاف في مسائل دام فيها الخلاف » 2 .
ولكن في نفس الوقت فإنّ السجود على تربة كربلاء له فضيلة كبيرة حسب ما جاء في الروايات ،
وهذا ليس معناه أنّ السجود يكون للحسين ( عليه السلام ) ،
بل يكون لله تعالى
، والتربة الحسينيّة بحسب الاصطلاح الفقهي « مسجودٌ عليها » والسجود عليها مستحبّ
وليس واجباً ; والنكتة في ذلك
هو أنّ ذلك التراب « تربة الحسين ( عليه السلام ) » ،
قد عُجن بدم أكبر حام للإسلام وهو الذي زلزل أركان الحكومة الأُمويّة الظالمة ،
والسجود على تلك التربة ـ خاصّةً ـ
هو ذكرٌ لأُولئك الشهداء الذين بذلوا مهجهم من أجل حماية الدِّين
، وهم أنصار الحسين ( عليه السلام )
الذين آثروا الموت الأحمر على العيش الأسود الذليل والركون إلى الظَّلَمة .
وأمّا القول بأنّ رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم )
لم يسجد على تربة الحسين ( عليه السلام )
ـ إن كان ذلك صحيحاً ـ فيعود إلى أنّ ملاك السجود على تلك التربة الشريفة لم يتحقّق بعد ،
ولأنّ ذلك التراب لم يُسق من دم الحسين بعدُ
، ولم يكتسب البركة .
والأصل المعمول به في سيرة العظماء أنّهم دائماً يسجدون على تراب الأمكنة المقدّسة ويقبّلونه ،
فمسروق بن الأجدع ( المتوفّى سنة 62 هـ ) بالمدينة ـ وهو من التابعين
ـ كان إذا سافر حمل معه في السفينة لبنةً يسجد عليها 3 .
وممّا مرَّ ذكره فإنّ السجود على التربة الطاهرة في البيوت والفنادق والمدارس وسائر الأماكن
التي يتردّد إليها المسلم ، ليس أمراً سهلاً وميسوراً
، ممّا استدعى إلى جلب
أطهر أنواع الأتربة الموجودة في العالم الإسلامي التي صُنعت على شكل قوالب يمكن حملها في الجيب ،
حتّى يتمّ للمسلم العمل بالحكم الإلهي بصورة أسهل ، ويعبد الله كما أراد منه ،
في أيّة بقعة تواجَدَ فيها الإنسان المصلّي .
لنا أن نسأل : هل سجد رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) على هذه الزرابي الثمينة
والأفرشة الباهظة الثمن التي فرشتم بها مساجدكم ، أو أنّه ( صلى الله عليه وآله وسلم )
سجد على الحصى والحصير ؟!
والعجيب هنا أنّ النبيّ ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يصرّ على أن يسجد المصلّي على التراب ،
فاذا رأى من سجد على كور عمامته ، قال له : " ألزِق جبهتك بالأرض " 4 .
وعن خبّاب : « شكونا إلى رسول الله ( صلى الله عليه وآله )
حرّ الرّمضاء في جباهنا وأكفّنا فلم يُشكنا ، أي لم يزِل شكوانا » 5 .
وعن جابر بن عبدالله ، قال : كنت أصلي الظهر مع رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم )
فأخذ قبضة من الحصى لتبرد في كفي أضعها لجبهتي أسجد عليها لشدة الحر 6 .
والشيء الأكثر مخالفةً لما تضمّنته هذه الروايات
، هو إصرار القوم على السجود على الفرش و السجّاد الثمين ،
ممّا يجعلنا نحكم أنّ عصرنا هذا قد تحوّلت فيه السنّة إلى بدعة ، والبدعة إلى سنّة!!
وأخيراً نذكر أنّ زوجة النبيّ ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أُمّ سلمة تقول :
إنّ رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قال وهو يبكي : "
أتاني جبرئيل فأخبرني أن أمتي يقتلونه ( يعني الإمام الحسين ( عليه السلام ) )
، وأتاني بالتربة التي يُقتل عليها ، فهي التي أُقلِّب في كفّي " 7 8 .